المادة    
ولذلك فهم يقولون: من سجد لصنم، أو أظهر الكفر؛ علمنا انتفاء التصديق من قلبه قطعاً، فمثلاً: إبليس كفّره الله، وكذلك فرعون كافر، وأهل الكتاب كفار، فهؤلاء -عندهم- مقطوع ومجزوم أن التصديق منتفٍ من قلوبهم؛ لأنهم قد ثبت عندنا كفرهم، فإذا رأينا علامة تدل على الكفر حكمنا بهذه العلامة، وإذا تيقنا أن فلاناً كافر -كمن حكم الله عليه بالكفر- فنحن نجزم أن باطنه خالٍ من الإيمان؛ لأن الإيمان والكفر لا يجتمعان.
ونقول لهم: هذا دليل على تناقضكم، فهؤلاء الذين نجزم قطعاً بكفرهم، أو أخبرنا الله تعالى عن كفرهم؛ هم في الباطن عندهم تصديق، لكن منعهم من الإذعان والانقياد واليقين أمور أخرى كالحسد، كما هو عند أهل الكتاب: (( حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ ))[البقرة:109]، أو الكبر، كما هو عند فرعون مثلاً، والكبر والحسد معاً كما هو الحال عند إبليس، فهذه الأمور منعت من الاستجابة لما في الباطن، وإلا فالتصديق في الباطن موجود.
إذاً: فقولكم هذا غير صحيح، وأنتم حتى يسلم لكم الأصل الذي تقررونه تنفون أموراً، أو تقرون أموراً لا يوافقكم عليها أي عاقل، فنحن نجزم أن أبا طالب مثلاً كان مصدقاً بقلبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن أهل الكتاب كانوا مصدقين في قلوبهم، والأدلة على ذلك قد ذكرناها كما ذكرها الشارح هنا.
ونقول أيضاً لهؤلاء -وهم في الحقيقة على مذهب جهم -: هذا دليل على أن مذهبكم باطل، وأن الإيمان شيء آخر زيادة على التصديق، وهو عمل القلب، مع عمل الجوارح، وأما ما جعلتموه أنتم مجرد علامة فهذا ليس مجرد علامة، بل هو كفر، فالسجود للصنم كفر وليس علامة على الكفر، فهو كفر عند أهل السنة والجماعة ، ودعاء غير الله كفر وليس علامة على الكفر، والرضا بالقوانين الوضعية وتحكيمها كفر وليس علامة على الكفر، فهذه الأعمال بذاتها كفر، ولا نقول: هي مجرد علامة، والذين يقولون: إنها مجرد علامة على الكفر؛ يقولون ذلك بناءً على أن الإيمان عندهم هو التصديق، والكفر هو التكذيب فقط، فما دام الأمر كذلك، فهذا الرجل الذي سجد للصنم لم يكذب، هكذا الأمر في نظرهم، إذاً فهذا مجرد علامة، فقد يكون في الباطن مصدقاً لكنه في الواقع يسجد لغير الله.
وهذا من الباطل؛ لأنه لو كان مؤمناً بالله لم يسجد لغيره، فالإيمان يشمل أموراً غير التصديق، والكفر يشمل أموراً غير التكذيب ومنها: الإباء، والاستكبار، والحسد، والإعراض وغيرها من الأمور التي ذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه، وهي أكثر وقوعاً في الناس من مجرد التكذيب، أو هي مثله.